ما وراء الشمس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ما وراء الشمس


 
الرئيسيةالتسجيلدخولأحدث الصور

 

 بائعة الجرجيـــــــــر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
طالع لأبوي


مشرف منتدى البرامــــــج


طالع لأبوي


ذكر
عدد الرسائل : 213
العمل : طالب
المزاج : على كيف كيفك
تاريخ التسجيل : 16/10/2008

بائعة الجرجيـــــــــر Empty

مُساهمةموضوع: بائعة الجرجيـــــــــر   بائعة الجرجيـــــــــر Icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 12, 2008 11:11 pm


ترى وجهها فيذكرك بقسوة الأيام
تجاعيد ذلك الوجه تنبيك عن تلك القسوة التي عاشت زمنها
دون كلل ولا ملل
عيناها .. تظهر كل منهما وكان الدموع لا تفارقها
ثمة خيوط سوداء تبدو على وجنتيها الذابلتين وكأنها مجرى سيول
دائماً تحلق بعيداً حتى وهى تحاور الناس
تلتفت إلى شيء بعيد وكأنها تبحث عن ضالتها في صحراء الحياة
صوتها ضعيف واهن أو ربما أضعفه كثرة نحيبها
جلست فوق الأريكة في زاوية غرفتها
أخذت تجول في ذكرياتها المفعمة بالآلام وسبل الشقاء
لكم كان الماضي مؤلماً
ولكم ضيعت قسوة الأيام بلسم حياتها
ولكم أذبلت تلك القسوة زهرة شبابها
تذكرت أيام أن كانت تستيقظ في كل صباح
وتبدأ في تجهيز (أحزمة الجرجير ) وخضرواتها
ثم تجففها لتذهب بها إلى السوق
فتبيعها لتشترى قوت أولادها الصغار
************ ***
كانت الحياة قاسية.. قاسية حقاً
فبرودة الشتاء تكاد تصل إلى عظامها
فتشعرها أن نوعا من الشلل أصاب ساقيها
بيد أن ذلك لم يكن ليثنى عزيمتها عن مهمتها في الحياة
وبعد رحلة ترتسم بشدة القسوة وتتلون بقسوة الشدة
ترجع كل يوم حاملة زاد أولادها وهى تحاول أن ترسم البهجة على بقايا شبابها المتحطم
لم تكن يوما لتشعر أبناءها بآلامها
فلقد عزمت أن تعيش لهم بعد رحيل زوجها وان تخدمهم بعيونها
وأن تضحى لهم ومن أجلهم بروحها
كانت تنهيداتها تخرج وكأن بركانا من داخل وجودها
يوشك على الانفجار
لم تكن يوما تتخيل أن ذلك سيصبح بلا قيمة يوما ما
ولم يخطر ببالها أن تضحياتها العظيمة سترحل مع أوراق الشجر
حيث لا قيمة لأوراق يابسة تهوى وترحل وتذروها الرياح
************ *
آه... لكم هي حياة بائسة
كم يموت المرء كل يوم ألف موته إذا أصبح الوفاء سلعة كاسدة
وتجارة بلا تاجر
لم تتخيل يوما أن ابنها سيصبح عاجزاً عن الدفاع عنها أمام زوجته وسينسى نضال أمه

العظيمة وكفاحها ليصل إلى ما وصل إليه
كانت دائما- ورغم أنها لم تحظ بتعليم كاف - تتذكر قول الشاعر
لولا وفاء الناس فيما بينهم ** لغدو على سوء الطباع ذئابا
وبينما هي غارقة في ذكريات الماضي وحقائق الواقع الأليمين طرق الباب
وأشارت بالدخول
كان يسير عثرا في خطواته.. مترددا في كلماته يبدأ في الحوار
ثم يصمت ليعود إلى حواره الذي لا يظهر منه إلا بعض الكلمات الغامضة
وفى لحظة استجمع قواه وقال بصوت ضعيف باهت أمي ..
اعذريني فانا مضطر إلى أن اصطحبك إلى دار المسنين
فقد استحالت العيشة بيني وبين زوجتي
وهذا هو الحل لنعبر هذه الأزمة..
لا تحزني فليس إلا بضعة أيام وسأعود بك إلى هنا
فقط بضعة أيام
نهضت صامتة واتجهت إلى (دولاب ملابسها) ودموع الحسرة
تبلل ما بين تجاعيد وجنتيها
وفى صوت حشرجة أجابت : هيا بابني
*****
كانت الأمطار شديدة والسماء ملبدة بالغيوم
والظلام يكاد يخيم على كل شيء
ولان دار المسنين قريبة من دارهم أخذها سيرا على الأقدام
بين الوحل وماء المطر.. والبرق يزفه بخيبته إلى إثمه الأعظم
كانت كلماته باهتة تشعر في ثناياها بالخزي الذي أصابه
كما وعدتك يا أمي فقط بضع أيام وسأعود بك إلى الدار
أجابته: لا عليك بابني
لكن لا تنس إن تذهب لتأتى بزوجتك إلى دارها وتصالحها
*****
عاد إلى منزله بعدما أودعها دار المسنين واستلقى على سريره
وأخذ يفكر في حاله وحال أمه وشعر ببعض الندم على فعلته
كانت أصوات البرق تختلط بأصوات الرياح
فتمتزج بأفكاره فتزعجه أيّما إزعاج
والريح تشتد وتشتد والبرد يكاد يقتله وبعض الأمطار تدفعها الريح إليه

فتلفح وجهه بينما هو عاجز عن الحركة والدفاع
وبينما هو على حالته لمح شبحاً يتحرك هنا وهناك
وبعد دقائق شعر بأن الدفء ساد داره وصوت البرق قد خف
وشيئا من الأمن سرى في أوصاله
نهض من مكانه وسأل : من هناك؟
أجابه صوت نديّ معتاد:
أنا أمك يا بني
تذكرت انك ستنسى شبابيك غرفتك مفتوحة فخفت عليك برد الشتاء ...
والآن سأعود من حيث أتيت



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://beyond-the-sun.aforumfree.com/
 
بائعة الجرجيـــــــــر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ما وراء الشمس :: منتدى القصص والروايات :: منتدى القصص والروايات-
انتقل الى: